Friday 17 October 2008

هناك كارثة في مصر اسمها التهاب الكبد الوبائي الفيروسي

هناك كارثة في مصر اسمها التهاب الكبد الوبائي الفيروسي تصيب ما يقرب من 8 ملايين مصري، ويمثل تهديدا للأمن القومي والاقتصاد، فإنها لاتلقي الاهتمام الكافي من قبل أجهزة الدولة التي تتعامل معها كما تتعامل مع الإنفلونزا علي أنها مسئولية المريض. وبالرغم من مرور ما يقرب من 18 عاما علي اكتشاف الفيروس، لم يتم التعامل معه بوصفه وباء يستحق الطوارئ. وعندما تقدم نائب بمجلس الشعب بطلب إحاطة عن المرض، تم التعامل معه مثل باقي طلبات المعارضين والمستقلين ولم يتقدم عضو بالحزب الوطني بأي تساؤل أو استجواب باستثناء الكلام العمومي. مع أن الخطر بهذا الشكل يهدد الأمن القومي. ومن المفارقات أن التعامل مع مرض الإيدز يتم بشكل أوسع وأعمق من التعامل مع الكبد الفيروسي، بالرغم من أن خطر الإيدز في مصر أقل بمئات المرات.

شاركت

مصر في حملات مكافحة الإيدز ولم تنطلق أي حملة لمواجهة الفيروس الكبدي. وحتي مع إنفلونزا الطيور التي تم التعامل معها أسرع وتم تخصيص إمكانات ولجان والسبب أن الإيدز أو إنفلونزا الطيور تحظي باهتمام عالمي مع أن ضحاياها في مصر لا يتعدون مئات أو عشرات. بينما الفيروس" سي" يصيب 100 ألف سنويا حسب الأرقام شبه الرسمية.

وهناك أدوية مختلفة لعلاج الكبدي سي لكن كلها ترتبط بظروف ودرجة المرض، واشهرها «الانترفيرون والريبافيري».تعمل هذه العقاقير علي تأخير التدهور، لكن لا تعالج المرض، وظهرت محاولات لإنتاج علاج، لكنها حتي الآن غير مؤكدة النتائج..بل إن التهاب الكبد الفيروسي تحول إلي أداة نصب لبعض المشعوذين والمدعين.
لم يكن الالتهاب الكبدي معروفًا قبل سنة 1989، وهو فيروس بطيء في تأثيره، و قد يستغرق من عشرة إلي خمسة عشر عامًا قبل أن تظهر الأعراض علي المريض، ومعظم المرضي قد يظلون لسنوات مصابين دون أن يعلموا إذا كان الفيروس خاملا وليس نشطا. وكثيرون يكتشفون الإصابة بالصدفة أثناء تحاليل السفر أو العمل.
وكان أول شعور بفداحة التهاب الكبد الفيروسي في بداية التسعينيات عندما أعلن رائد أمراض الكبد الراحل ياسين عبد الغفار في مؤتمر بالسعودية أن نسبة الإصابة بالفيروس سي في مصر مرتفعة جدا، يومها بدأت دول الخليج تشترط إجراء تحليل الفيروس سي واكتشف مئات الآلاف من المصريين انهم مصابون أو حاملون للمرض. والسعودية نفسها فيها 500 ألف مصاب.
هناك حوالي نحو 180 مليون فرد في العالم ثبت انهم يحملون الفيروس. وتعتبر مصر من أكثر الدول معاناة منه، والسودان ودول عربية اخري.
ولا يوجد تفسير واحد لانتشار التهاب الكبد الوبائي الفيروسي في مصر بهذا الشكل الرهيب، وان كانت بعض المصادر أرجعت الإصابات القديمة إلي حملات مكافحة البلهارسيا التي كانت تجري في السبعينيات حيث كانت حقن" الطرطير" تعطي للمرضي بسرنجات زجاجية. كشفت دراسة منذ سنوات نشرتها مجلة لانست الطبية البريطانية أن حملة مكافحة البلهارسيا في الستينيات والسبعينات، في مصر وراء انتشار التهاب الكبد (سي) .

وكانت الإبر تستخدم مرات عدة دون أن تعقم جيدا ولم تكن مخاطر أمراض مثل التهاب الكبد الوبائي معروفة آنذاك. هناك أسباب أخري لانتقال التهاب الكبد الفيروسي مثل عيادات الأسنان غير المعقمة، ونقل الدم والاتصال الجنسي، ومحلات الحلاقة.
وحسب تقرير للأمم المتحدة في اول فبراير الجاري حسب الإحصائيات الحكومية هناك خمسة ملايين شخص مصابون بفيروس التهاب الكبد الوبائي "سي"، و نسبة المصابين في ارتفاع. هناك 70 ألف حالة منها 35 ألفا تتحول إلي التهاب مزمن. ونقل التقرير عن الدكتورة منال السيد أستاذة علم الأطفال بجامعة عين شمس، أن الإصابة بفيروس "سي" القاتل تؤدي إلي تليف وسرطان الكبد، وأن مصر تحتل المرتبة الأولي عالميًا في الإصابة بمرض الالتهاب الكبدي الوبائي، حيث تبلغ نسبة الإصابة وفق تقديرات جهات مصرية أخري من 10 إلي 15% من السكان ـ من 8 إلي 10 ملايين - خمسة ملايين منهم في مراحله متقدمة من المرض، فيما تحمل النسبة الباقية ما يسمي بالأجسام المضادة الدالة علي وجود الفيروس.
ويتوقع اطباء الكبد ووزارة الصحة ارتفاع نسبة الوفيات بسبب تليف وسرطان الكبد الناجم عن الفيروس "سي" خلال العشرين سنة القادمة.
وحذر التقرير الذي استند لشهادات كبار الأطباء والخبراء من أن عام 2020 سيشهد أعلي نسبة إصابة بمرض الفشل الكبدي وسرطان الكبد، لأن المرض قد يظل كامنًا بالجسم ما بين 10 إلي 30 سنة. وكشف أن 40% من الحالات المصابة بفيروس "سي" أصبح علاجها ب "الانترفيرون" غير فعال. وهناك مليون مريض مصري فقط بالفيروس "سي" هم الذين يتلقون العلاج بعقار "الانترفيرون" الفعال حيث تصل تكلفة العلاج حوالي 22 ألف جنيه. الفيروس مأساة لمن يصاب ، و مأساة مزدوجة للفقراء وأيضا لأبناء الطبقة المتوسطة الذين لا يمكنهم الإنفاق علي العلاج.
وإذا كان هناك 8 ملايين ويحتاج المريض الواحد ما بين عشرة آلاف للحالات الاقل إلي 70 الفا سنويا للعلاج، للحالات الخطيرة، فهناك حاجة لتوفير 20 مليار جنيه لمواجهة المرض، بين علاج وزرع، ثم إن العلاج يتم بشكل فردي، وأبحاث الكبد تتم منفصلة، ولا يوجد تراكم أو مشروع يدعم الأبحاث الطبية للكشف والعلاج. وهو امر يحتاج وجودا للدولة. أو مؤسسات يمكنها تبني مشروع للمواجهة. وإذا كان عضو أو اكثر في مجلس الشعب تقدم باستجواب او طلب احاطة فالامر لن يتعدي اعادة التذكير بكارثة، ويمكن توقع رد الحكومة وذكر الجهود التي تبذل. لكن الواقع يشير إلي ان الحكومة لا تدرك حجم كارثة كالكبد الفيروسي، تلتهم أعمار وصحة ملايين المصريين. خصوصا الفقراء، الذين يأخذون المرض وتداعياته كاملة، فالعلاج لا يقدر عليه سوي الأغنياء أو من يمكنهم الحصول علي قرارات علاج في الخارج يمكنها أن توقف زحف المرض أو تأخير انتشاره وتوحشه.
ومن المثير أن مسئولين وأعضاء برلمان ونجوما مصابون هم أو أقاربهم بالمرض و بالرغم من كونهم عرفوا معاناة الكبد الفيروسي لم يسعوا إلي في تشكيل هيئة تتابع وتدعم مراكز علاج الكبد في المحافظات التي تعاني من نقص الإمكانات ، ولا يمكنها استيعاب خمسة في المائة من المرضي في عياداتها الخارجية والداخلية.
لا يتوقف انتشار المرض بين المصريين علي المقيمين في مصر، لكنه وصل معهم إلي حيث هاجروا، وكشف ناشط مصري مهاجر في الولايات المتحدة هو كميل حليم في مقال له نشره في أكتوبر الماضي، يقول "قُدر لي أن أطلع علي هذا الانتشارِ المفزع لحجم الإصاباتِ بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي ( سي) في مصر، أثناء وجودي في الكنيسة القبطية في شيكاغو، إذ تمكنت شركة المستحضرات الطبية، روش (Roche )، من إنتاج دواء يعالج التهاب الكبد (سي)، وكان لها مصلحة في مراقبة حالات الكبد (سي) في مصر وبين المهاجرين المصريينِ، وقرّرت البَدْء بزيَارَة الكنائسِ المصريةِ في الولايات المتّحدةِ لتَختبرَ المهاجرين المصريينَ وعائلاتهم ، وجاءت النتائج ، لتكشف ان حوالي 25 % مِن المهاجرين المصريينِ، الذين ولدِوا في مصر، يعانون من فيروس (سي). هناك معدلات مرتفعة تصل إلي 14 % نسبة عدوي، بالمقَارنة بـ 2 % نسبة عدوي بين الأمريكيِين، وأغلب المصابين غير مدُرِك أنه حامل له، والكثير منهم عاشوا في أمريكا لمدة 25 سنة أو أكثر.
ويري كميل إنّ الحكومةَ المصريةَ مُنشغِلة جداً بإخفاء ورطتها وعجزها في مواجهة انتشار الوباءِ، تترك الناس الذين أقسمت علي حِمايتهم تحت رحمة مرض قاتل بدون توفير الوقاية أو المعالجة الصحيحة.
لكن هذا الفزع لا يبدو انه وصل الي نظامنا وحكومتنا، التي قد تشارك في حملات مكافحة الإيدز وتتجاهل الفيروس الكبدي. وقد شهدت حملات مكافحة الإيدز برعاية أحد اكبر شركات المشروبات الغازية في العالم، حضورا للعديد من نجوم مصر، الذين دعا بعضهم إلي بذل جهود لوقف الإيدز. وقال يحيي الفخراني:"نحن جميعاً مسئولون ولنا دور يجب أن نقوم به ـ الحكومة والمجتمع المدني والقادة الدينيون ووسائط الإعلام والفنانون، كل منا كأفراد". ولا أحد يعارض المشاركة في حملات مكافحة الإيدز، لكن لم يحدث أن تم إطلاق أي حملة لمكافحة الالتهاب الكبدي الوبائي في مصر، بالرغم من أن هناك عددا كبيرا من الفنانين مصاب بالمرض، وتوفي به ممدوح موافي وعبد الله محمود، وهناك عدد من أعضاء البرلمان مصابون بالمرض، البعض يقدرهم بنسبة 10 في المائة من الأعضاء، وبعضهم يستطيع السفر لتلقي العلاج بالخارج، ، وهو أمر لايمكن الاعتراض عليه، لكن اللافت للنظر أن أحدا من النواب المصابين لم يفكر بتقديم استجواب أو طلب إحاطة يطالب فيه بحملة قومية لمواجهة المرض، ومساندة المرضي الفقراء الذين يفتك بهم دون أن يمتلكوا ثمنا لعلاجه أو حتي مواجهة آثاره.وإذا كان نائب مستقل تقدم بطلب إحاطة فإنه يحتاج الي مساندة زملائه، الذين يفترض انهم يعيشون مآسي المرض.

المصدر : الفجر - 28 فبراير 2007

No comments: